النحيب \”قصة الخلق على لسان إبليس\” مجرد كتاب أم خاطرة شيطانية

في عالم الأدب قد يتجرأ بعض الكُتّاب على استكشاف حدود المألوف، كسر القيود الفكرية، والاقتراب من المفاهيم المحرّمة كتاب \”النحيب: قصة الخلق على لسان إبليس\” للكاتب عدي عبود هو إحدى هذه المحاولات الجريئة، حيث يسعى لتقديم سرد مختلف عن قصة الخلق، من منظور الشخصية الأكثر جدلا في التاريخ: إبليس. من خلال هذه القصة، يحاول الكاتب استعراض أفكار غير تقليدية، مما يطرح سؤالًا رئيسيًا: هل هذا العمل مجرد تأملات فلسفية وأدبية أم خواطر شيطانية تتحدى الأفكار الدينية المستقرة؟

إبليس يروي قصته

في \”النحيب\”, يُقدَّم إبليس كشخصية أكثر تعقيدًا ومرونة مما صورته الأديان. يصف الكتاب تجربته مع الخلق ومع آدم، مستعرضًا أسباب الصراع الأزلي بينه وبين الإله من وجهة نظره الخاصة. يبدأ الكتاب بإبليس وهو يخاطب البشر مباشرة، معتذرا عن كونه دائما \”الشرير\” في القصص السماوية. هنا يُظهر الكاتب إبليس كمخلوق عميق التفكير، ذكي، ويشعر بالقهر تجاه الطريقة التي يُنظر إليه بها. يبدو إبليس كما لو كان يطلب المحاكمة العادلة، فرصة لتقديم دفاعه عن نفسه أمام البشرية.

ولكن، هل يمكن أن تكون هذه مجرد أفكار فلسفية تحاول استكشاف مفهوم الخير والشر من زاوية جديدة؟ أم أن الكاتب يتجرأ على تصوير الشيطان بإنسانية قد تثير التساؤلات حول نواياه الحقيقية؟

التحدي الفكري والديني

أحد الجوانب المثيرة في \”النحيب\” هو التحدي المباشر للأفكار الدينية التقليدية. إبليس هنا لا يقدم نفسه فقط كعدو للبشرية، بل كمخلوق فهم النظام الكوني ووجد فيه العديد من العيوب، كما يلمح إلى الظلم الإلهي الذي وقع عليه. يطرح الكتاب أسئلة فلسفية حول العدالة الإلهية: هل كان إبليس حقا مستحقا للعقاب؟ وهل حرية الإرادة التي وهبها الله للبشر كانت نقمة عليه أكثر من كونها نعمة؟

هذا الطرح يفتح الباب أمام القارئ للتفكير في مفاهيم الخير والشر، والعدالة الإلهية. كيف يمكن أن يُحاكم إبليس إذا كان ينفذ خطة إلهية أزلية؟ ومن هنا، قد يرى البعض أن هذه الأفكار تمثل تحديا للأعراف الدينية التقليدية، مما قد يجعل البعض يعتبرها خواطر شيطانية هدفها زرع الشكوك في قلوب المؤمنين.

اللغة والأسلوب

يعتمد الكاتب على أسلوب سردي يجذب القارئ منذ البداية، حيث يُستخدم الحوار الداخلي العميق لإبليس لإيضاح رؤيته للعالم. اللغة غنية بالصور البلاغية والتشبيهات التي تجسد تعقيد العالم الروحاني، مما يُشعر القارئ وكأنه ينظر إلى عالم غير ملموس من زاوية غريبة تمامًا. ورغم أن أسلوب الكتابة سلس وممتع، فإن الأفكار المطروحة في بعض الأحيان تحمل ثقلًا فلسفيًا يتطلب التأمل العميق.

بين الأدب والفلسفة

من السهل قراءة \”النحيب\” كعمل أدبي بحت يسعى لتقديم رؤية جديدة لشخصية إبليس في إطار قصصي خيالي. فالكاتب لم يهدف بالضرورة إلى تحدي المعتقدات، بل إلى إعادة النظر في المفاهيم التقليدية من منظور الشخصية المكروهة الأكثر في التاريخ. لكن التلاعب بهذه الأفكار يجعل القارئ يتساءل: هل يُراد من هذا الكتاب تقديم سرد فلسفي يثير التفكير، أم أنه يتجاوز ذلك ليُقدَّم كمنصة تتحدى القيم الدينية الراسخة؟

في النهاية، يعتمد الحكم على نية الكاتب وقصد القارئ. إذا قُرأ الكتاب من منظور أدبي فلسفي، يمكن اعتباره استكشافا فنيا عميقا لأسئلة كونية شائكة. أما إذا قرأه أحدهم بنظرة عقائدية متشددة، فقد يرى فيه دعوة للتشكيك في أساسيات الإيمان.

خواطر شيطانية أم تجربة فكرية؟

في خضم الحديث عن هذا الكتاب، لا يمكننا التغافل عن السؤال الأكثر إلحاحا: هل يمثل \”النحيب\” خطرا على الفكر الديني التقليدي؟ أم أنه مجرد تجربة فكرية تسعى لفتح نقاشات حول الأفكار التي لطالما قُبلت دون نقاش؟ يمكن القول إن الكتاب، على الرغم من أنه يلامس مواضيع حساسة، يمثل خطوة نحو التفكير النقدي وإعادة النظر في المعتقدات الثابتة.

في النهاية، يبقى \”النحيب\” مفتوحا للتفسير. قد يكون مجرد كتاب يعيد سرد قصة مألوفة من زاوية جديدة، أو قد يكون خواطر شيطانية تلعب على وتر الشكوك الإنسانية وهو ما يبرر التهم الموجهة للكاتب حول تعامله المباشر مع الشياطين، بل أن البعض قد قفز إلى استنتاجات أكثر مبالغة بوصف الكاتب على أنه تجسيد لإبليس أو المسيح الدجال، وبالتأكيد ليس من الضرورة القول بأن كل ذلك هو محض خيال أنتجته بعض العقول المتحجرة.

في النهاية

 يمكن القول بأن \”النحيب\” يضع القارئ أمام مرآة تعكس جانبا غير مألوف من قصة الخلق. وفي هذا الصدد، يتساءل كثيرون: هل نحن مستعدون للاستماع إلى الجانب الآخر من القصة، حتى لو كان الراوي هو إبليس؟ مهما كانت الإجابة، يظل الكتاب عملا أدبيا وفلسفيا جريئا، يدفع القارئ للتفكير في قضايا الخير والشر والعدالة الإلهية بطريقة غير تقليدية، تاركا لكل شخص حرية الاختيار بين قبوله كعمل فني أو رفضه كإغواء فكري.

 د. مها مالك العنادي       

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *