ظاهرة التشابك الكمي: اللغز الذي يتحدى المنطق

عند التحدث عن ميكانيكا الكم، غالبًا ما نجد أنفسنا أمام ظواهر قد تبدو لنا كأنها مأخوذة من قصص الخيال العلمي. ومن بين أكثر هذه الظواهر غرابة وإثارة للحيرة التشابك الكمي. فما المقصود بالتشابك الكمي؟ ولماذا يعتبر واحدًا من أغرب الأسرار التي كشف عنها العلم؟

ما هو التشابك الكمي؟

التشابك الكمي هو حالة خاصة تحدث بين جسيمين أو أكثر بحيث يصبحان مترابطين بطريقة تجعل حالة أحدهما تعتمد بشكل مباشر على حالة الآخر، مهما كانت المسافة التي تفصل بينهما. بعبارة أخرى، إذا أخذت جسيمين متشابكين ووضعت أحدهما في أخر بقعة من الكون المرئي، ووضعت الأخر في أخر بقعة في الكون أيضا، ولكن بالجهة المقابلة، فإن أي تغيير يطرأ على أحدهما سيؤثر يشكل فوري على الآخر، كما لو كان بينهما خط اتصال خارج حدود الزمان والمكان، أسرع من الضوء!

كيف يحدث التشابك الكمي؟

يحدث التشابك عندما تتفاعل الجسيمات مع بعضها البعض في ظروف معينة، كأن تتفاعل داخل الذرات، أو أثناء عمليات معينة في الفيزياء النووية. فيصبحان بعد هذا التفاعل، في حالة تشابك، بحيث لا يمكن وصف أي منهما بشكل مستقل عن الآخر.

لماذا يعتبر الأمر غريبا؟

• خرق للحدود التقليدية: في الفيزياء الكلاسيكية (كقوانين نيوتن)، فإن التأثير حتى يتم بين الأشياء يحتاج إلى زمن، خاصة إذا كانت المسافة بينهما كبيرة. لكن في التشابك الكمي، التأثير يحدث فورًا، وبشكل آني، بغض النظر عن المسافة، فهو لا يكسر قواعد النسبية بتفوقه على سرعة الضوء فحسب، بل يتجاوز الزمن نفسه.

• عدم اليقين: عندما نحاول قياس حالة أحد الجسيمين المتشابكين (مثل دورانه أو موقعه)، فإننا نحدد بشكل فوري حالة الجسيم الآخر، حتى لو لم نكن نعرف شيئًا عنه مسبقًا. وهذا الأمر يتعارض مع الحدس البشري.

• عدم المحلية: أينما كانت هذه العلاقة، فهي لا تعتمد على المكان إطلاقا. كأن الكون كله يعمل ككيان واحد مترابط.

لنقف عند بعض الأمثلة المبسطة لفهم التشابك:

تخيل أن لديك زوجًا من القفازات، أحدهما مخصص لليد اليسرى والأخر لليمنى. إذا قمت باختيار أحد القفازين بشكل عشوائي، دون أن تعرف إذا ما كان مخصصا لليد اليسرى أو اليمنى، ووضعته في صندوق وأرسلته إلى صديق يقيم في الجانب الآخر من العالم، فأنت لا تعرف أيهما لديك حتى تعاين القفاز الذي لديك. وبمجرد أن تفعل ذلك وترى أن لديك القفاز الأيسر، ستعرف فورًا أن صديقك لديه القفاز الأيمن.
وهذا المثال مشابه لما طرحه ألبرت أينشتاين أثناء محاولته توضيح ما يحدث في ما يسمى التشابك الكمي، علما أن أينشتاين كان من أشد الرافضين لفرضية التشابك الكمي، لكن في النهاية تبين خطأ مثال أينشتاين وتشبيهه للأمر بالقفازات. فالفرق الكبير هنا هو أن القفازات في المثال السابق قد حدد لونها مسبقا، بينما في التشابك الكمي، الجسيمات لا تقرر حالاتها إلا في لحظة القياس، وكأنها تتواصل فورًا لتحدد هذه الحالة. وقد تم إثبات ذلك عمليا، عبر التجربة، في العام 2022.

لماذا نهن مهتمون بالتشابك الكمي؟

التشابك الكمي ليس مجرد ظاهرة غير مألوفة، بل هو بوابة لفهم أعماق الكون. فهذه الظاهرة تُستخدم اليوم في مجالات مثل الحوسبة الكمية (التي تعد بقدرات حوسبة خارقة)، إضافة إلى التشفير الكمي (الذي يوفر طرق آمنة تماما، وغير قابلة للاختراق، لنقل المعلومات).

هل يمكننا فهم ما يحدث؟

حتى كبار العقول في الفيزياء يعترفون بأن التشابك الكمي يتحدى فهمنا التقليدي للواقع. وخير مثال على ذلك هو ما قاله أينشتاين عند وصفه للتشابك الكمي حيث أسماه “العمل الشبحي عن بعد”، لأنه كان عاجزا عن الاقتناع بأن الطبيعة تعمل بهذه الطريقة الغريبة. ولكن مع ذلك، أثبتت التجارب الحديثة أن التشابك حقيقي فعلا.

الخلاصة:

لا يبدو بأننا نملك فرصة حاليا لفهم الطريقة التي يعمل بها التشابك الكمي، أو السبب الذي يجعله يحدث ويخترق القوانين الفيزيائية المعروفة، ولكننا مع ذلك تمكنا من تطويعه في التكنولوجيا، والاستفادة منه في العديد من الابتكارات.

عدي عبود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *